للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ عِنْدَ تَفْسِيرِهِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّل لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (١) . مَعْنَى الضَّرُورَةِ - هُنَا -: هُوَ خَوْفُ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ بِتَرْكِهِ الأَْكْل وَقَدِ انْطَوَى تَحْتَهُ مَعْنَيَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْصُل فِي مَوْضِعٍ لاَ يَجِدُ غَيْرَ الْمَيْتَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا مَوْجُودًا، وَلَكِنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِهَا بِوَعِيدٍ يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَ نَفْسِهِ أَوْ تَلَفَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، وَكِلاَ الْمَعْنَيَيْنِ مُرَادٌ بِالآْيَةِ عِنْدَنَا (٢) .

ج - يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ مُرَاعَاةُ قَدْرِ الضَّرُورَةِ، لأَِنَّ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَتَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الأَْصْل قَرَّرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لاَ يَأْكُل مِنَ الْمَيْتَةِ إِلاَّ قَدْرَ سَدِّ الرَّمَقِ (٣) .

د - يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يُرَاعِيَ عِنْدَ دَفْعِ الضَّرُورَةِ مَبْدَأَ دَرْءِ الأَْفْسَدِ فَالأَْفْسَدِ، وَالأَْرْذَل فَالأَْرْذَل، فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْل مُسْلِمٍ بِحَيْثُ لَوِ امْتَنَعَ مِنْهُ قُتِل يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْرَأَ مَفْسَدَةَ الْقَتْل بِالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْل، لأَِنَّ صَبْرَهُ عَلَى الْقَتْل أَقَل


(١) سورة الأنعام / ١١٩.
(٢) أحكام القرآن للجصاص ١ / ١٥٠ ط. البهية.
(٣) غمز عيون البصائر ١ / ٢٧٦ - ٢٧٧ نشر دار الكتب العلمية - بيروت.