للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ الطَّاعُونِ، وَقَال عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فِرُّوا عَنْ هَذَا الرِّجْزِ فِي الشِّعَابِ وَالأَْوْدِيَةِ وَرُءُوسِ الْجِبَال فَقَال مُعَاذٌ: بَل هُوَ شَهَادَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَيَتَأَوَّل هَؤُلاَءِ النَّهْيَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنِ الدُّخُول عَلَيْهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ غَيْرُ الْمُقَدَّرِ، لَكِنْ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَى النَّاسِ، لِئَلاَّ يَظُنُّوا أَنَّ هَلاَكَ الْقَادِمِ إِنَّمَا حَصَل بِقُدُومِهِ، وَسَلاَمَةُ الْفَارِّ إِنَّمَا كَانَتْ بِفِرَارِهِ، وَقَالُوا: وَهُوَ مِنْ نَحْوِ النَّهْيِ عَنِ الطِّيَرَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ الْمَجْذُومِ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال: الطَّاعُونُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ وَالْفَارِّ، أَمَّا الْفَارُّ فَيَقُول: فَرَرْتُ فَنَجَوْتُ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَيَقُول: أَقَمْتُ فَمُتُّ، وَإِنَّمَا فَرَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ أَجَلُهُ، وَأَقَامَ مَنْ حَضَرَ أَجَلُهُ.

قَال النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ لِظَاهِرِ الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (١) . قَال الْعُلَمَاءُ: وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا (٢) .

هَذَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ بِشُغْلٍ وَغَرَضٍ غَيْرِ الْفِرَارِ، وَدَلِيلُهُ صَرِيحُ الأَْحَادِيثِ (٣) .


(١) صحيح مسلم بشرح النووي (١٤ / ٢٠٥ - ٢٠٧) .
(٢) حديث: " لا تتمنوا لقاء العدو. . . " أخرجه البخاري (٦ / ١٥٦) ، ومسلم (٣ / ١٣٦٢) ، واللفظ لمسلم.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي (١٤ / ٢٠٧) ، وعمدة القاري (٢١ / ٢٥٩) .