للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمَّا مَا شَرَطَ اللَّهُ لِوُجُوبِهِ الاِسْتِطَاعَةَ، كَالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَالاِسْتِدَانَةُ لأَِجْلِهِ مَكْرُوهَةٌ أَوْ حَرَامٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَخِلاَفُ الأَْفْضَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. أَمَّا إِنْ كَانَ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الأَْفْضَل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (١) .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - يُفْهَمُ مِمَّا فِي الْمُغْنِي - أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ بِالاِسْتِدَانَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ (٢) .

فَإِذَا وَجَبَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ عَلَى عَبْدٍ حَال غِنَاهُ، ثُمَّ افْتَقَرَ قَبْل أَدَائِهَا، فَهَل يُكَلَّفُ بِالاِسْتِدَانَةِ لأَِدَائِهَا؟ يُفَرِّقُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَقْرَضَ وَأَدَّى الزَّكَاةَ، وَاجْتَهَدَ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ الأَْفْضَل لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ، فَإِنِ اسْتَقْرَضَ وَأَدَّى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى مَاتَ، يُرْجَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى دَيْنَهُ فِي الآْخِرَةِ.

وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَقْرَضَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، كَانَ الأَْفْضَل لَهُ أَلاَّ يَسْتَقْرِضَ، لأَِنَّ خُصُومَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَشَدُّ (٣) . وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الاِسْتِقْرَاضُ عَلَى كُل حَالٍ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، فَتَلِفَ الْمَال بَعْدَ وُجُوبِهَا، فَأَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا أَدَّاهَا، وَإِلاَّ أُمْهِل إِلَى مَيْسَرَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ، قَالُوا: لأَِنَّهُ إِذَا لَزِمَ الإِْنْظَارُ فِي


(١) ابن عابدين ٢ / ١١٤، ١٤١، والحطاب ٢ / ٥٠٥ - ٥٠٦، والأم ٢ / ١١٦ ط بيروت، والدسوقي ٢ / ٧
(٢) المغني مع الشرح الكبير ٣ / ١٧٠
(٣) فتاوى قاضيخان بهامش الهندية ١ / ٢٥٦، وحاشية ابن عابدين ٢ / ١٤٠