للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي مُعَامَلاَتِهِمْ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ بِالأَْلْفَاظِ، قَال عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: فُصِل فِي تَنْزِيل دَلاَلَةِ الْعَادَاتِ وَقَرَائِنِ الأَْحْوَال مَنْزِلَةَ صَرِيحِ الأَْقْوَال فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَغَيْرِهَا، وَمِنَ الأَْمْثِلَةِ فِي ذَلِكَ: التَّوْكِيل فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِثَمَنِ الْمِثْل وَغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، تَنْزِيلاً لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْمُعَامَلاَتِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ حَمْل الإِْذْنِ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْكُفْءِ وَمَهْرِ الْمِثْل؛ لأَِنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الأَْفْهَامِ فِيمَنْ وَكَّل آخَرَ بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ، وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ الأُْخْرَى (١) فَبَاعَ وَأَقْبَضَ وَقَبَضَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَفْظِيٍّ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى الإِْذْنِ الْعُرْفِيِّ، الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ اللَّفْظِيِّ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ (٢) . فَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ أَوِ الْعَادَةُ فِي الْفِعْل هِيَ الْمُحَكَّمَةُ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ فِي مُعَامَلاَتِهِمْ، مَا يَجِبُ مِنْهَا وَمَا لاَ يَجِبُ، تَبَعًا لِلْعُرْفِ الْجَارِي


(١) حديث: عروة بن الجعد البارقي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٦ / ٦٣٢) .
(٢) إعلام الموقعين ٢ / ٤١٢، ٤١٣ ط دار الجليل، وقواعد الأحكام ٢ / ١٠٧ ط دار الكتب العلمية.