للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلاَ يَصِحُّ قِيَاسًا؛ لأَِنَّ الْعَفْوَ عَنِ الْقَتْل يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْقَتْل، وَالْفِعْل لاَ يَصِيرُ قَتْلاً إِلاَّ بِفَوَاتِ الْحَيَاةِ عَنِ الْمَحَل وَلَمْ يُوجَدْ، فَالْعَفْوُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ. وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: أَنَّ الْقَتْل إِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْحَال فَقَدْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُودِهِ، وَهُوَ الْجُرْحُ الْمُفْضِي إِلَى فَوَاتِ الْحَيَاةِ، وَالسَّبَبُ الْمُفْضِي إِلَى الشَّيْءِ يُقَامُ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي أُصُول الشَّرْعِ (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْمَقْتُول الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ بَعْدَ إِنْفَاذِ مَقْتَلِهِ وَقَبْل زُهُوقِ رُوحِهِ، قَال الْقَرَافِيُّ: لأَِنَّ لِلْقِصَاصِ سَبَبًا وَهُوَ إِنْفَاذُ الْمَقَاتِل وَشَرْطًا وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ، فَإِنْ عَفَا الْمَقْتُول عَنِ الْقِصَاصِ قَبْلَهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ، وَعَفْوُهُ بَعْدَهُمَا مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ إِجْمَاعًا (٢) .

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قُطِعَ فَعُفِيَ عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْرِ فَلاَ شَيْءَ، وَإِنْ سَرَى لِلنَّفْسِ فَلاَ قِصَاصَ فِي نَفْسٍ وَلاَ طَرَفٍ؛ لأَِنَّ السِّرَايَةَ تَوَلَّدَتْ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، فَصَارَتْ شُبْهَةً دَافِعَةً لِلْقِصَاصِ (٣) .


(١) درر الحكام شرح غرر الأحكام لمنلا خسرو ٢ / ٩٥، وبدائع الصنائع ٧ / ٢٤٨ و٢٤٩.
(٢) الفواكه الدواني ٢ / ٢٥٥، وشرح منجل الجليل ٤ / ٣٤٦، والشرح الصغير ٤ / ٣٣٥ و٣٣٦.
(٣) مغني المحتاج ٤ / ٥٠ و٥١، وشرح المحلى على منهاج الطالبين ٤ / ١٢٧.