للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لاَ بُدَّ مِنْهُ لِكُل قَاضٍ وَمُفْتٍ، وَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ هَذَا الاِجْتِهَادِ لَمْ تَتَنَزَّل الأَْحْكَامُ عَلَى أَفْعَال الْمُكَلَّفِينَ إِلاَّ فِي الذِّهْنِ، لأَِنَّهَا عُمُومَاتٌ وَمُطْلَقَاتٌ، مُنَزَّلَةٌ عَلَى أَفْعَالٍ مُطْلَقَةٍ كَذَلِكَ، وَالأَْفْعَال الَّتِي تَقَعُ فِي الْوُجُودِ لاَ تَقَعُ مُطْلَقَةً، وَإِنَّمَا تَقَعُ مُعَيَّنَةً مُشَخَّصَةً، فَلاَ يَكُونُ الْحُكْمُ وَاقِعًا عَلَيْهَا إِلاَّ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ يَشْمَلُهُ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ أَوْ ذَلِكَ الْعَامُّ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَهْلاً وَقَدْ لاَ يَكُونُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ اجْتِهَادٌ.

وَمِثَال هَذَا: أَنْ يَسْأَلَهُ رَجُلٌ هَل يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ؟

فَيَنْظُرَ أَوَّلاً فِي الأَْدِلَّةِ الْوَارِدَةِ، فَيَعْلَمَ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الاِبْنِ الْغَنِيِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ الْفَقِيرِ، وَيَتَعَرَّفَ ثَانِيًا حَال كُلٍّ مِنَ الأَْبِ وَالاِبْنِ، وَمِقْدَارَ مَا يَمْلِكُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِيَال، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَظُنُّ أَنَّ لَهُ فِي الْحُكْمِ أَثَرًا، ثُمَّ يَنْظُرَ فِي حَال كُلٍّ مِنْهُمَا لِيُحَقِّقَ وُجُودَ مَنَاطِ الْحُكْمِ - وَهُوَ الْغِنَى وَالْفَقْرُ - فَإِنَّ الْغِنَى وَالْفَقْرَ اللَّذَيْنِ عَلَّقَ بِهِمَا الشَّارِعُ الْحُكْمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، فَالْغِنَى مَثَلاً لَهُ طَرَفٌ أَعْلَى لاَ إِشْكَال فِي دُخُولِهِ فِي حَدِّ الْغِنَى، وَلَهُ طَرَفٌ أَدْنَى لاَ إِشْكَال فِي خُرُوجِهِ عَنْهُ، وَهُنَاكَ وَاسِطَةٌ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِي دُخُولِهَا أَوْ خُرُوجِهَا،