للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (١) حَيْثُ إنَّ الْمَصْدَرَ الْمَقْرُونَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ يُرَادُ بِهِ الأَْمْرُ، وَالأَْمْرُ بِالشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ شَرْطًا فِيهِ، إذِ الْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لاَ يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَلأَِنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ إذْ لاَ يَسْتَوْجِبُ الرَّاهِنُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا، وَلِهَذَا لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الإِْمْضَاءِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ، وَالإِْمْضَاءُ يَكُونُ بِالْقَبْضِ.

وَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل وَصَفَ الرِّهَانَ بِكَوْنِهَا مَقْبُوضَةً، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ فِيهَا شَرْطًا، وَلَوْ لَزِمَتْ بِدُونِ الْقَبْضِ لَمَا كَانَ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، لَكِنَّهُ لاَ يَتِمُّ إلاَّ بِالْقَبْضِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالإِْقْبَاضِ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ.

قَالُوا: أَمَّا لُزُومُهُ بِالْعَقْدِ، فَلأَِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} أَثْبَتَهَا رِهَانًا قَبْل الْقَبْضِ، وَأَمَّا إلْزَامُ الرَّاهِنِ بِالإِْقْبَاضِ، فَلأَِنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (٢) دَلِيلٌ عَلَى


(١) سورة البقرة / ٢٨٣.
(٢) سورة المائدة / ١.