للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّرَابَ فَمَاتَ

، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِهِ عَمْدًا وَشِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ هَذَا لاَ يُعْتَبَرُ قَتْلاً، لاَ شِبْهَ عَمْدٍ وَلاَ خَطَأً، لأَِنَّ الْهَلاَكَ حَصَل بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَلاَ صُنْعَ لأَِحَدٍ فِي ذَلِكَ.

وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، لأَِنَّهُ لاَ بَقَاءَ لِلآْدَمِيِّ إلاَّ بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ، فَالْمَنْعُ عِنْدَ اسْتِيلاَءِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ عَلَيْهِ يَكُونُ إهْلاَكًا لَهُ، فَأَشْبَهَ حَفْرَ الْبِئْرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ (١) .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إلَى أَنَّ هَذَا قَتْل عَمْدٍ إذَا مَاتَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالأَْحْوَال، فَإِذَا كَانَ عَطَشًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، مَاتَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيل، وَإِنْ كَانَ رَيَّانَ وَالزَّمَنُ بَارِدٌ أَوْ مُعْتَدِلٌ لَمْ يَمُتْ إلاَّ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَيُعْتَبَرُ هَذَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَشِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (٢)

٨ - أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَتْل نَوْعَانِ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلاَّ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، فَمَنْ زَادَ قِسْمًا ثَالِثًا زَادَ عَلَى النَّصِّ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ


(١) بدائع الصنائع ٧ / ٢٣٤ - ٢٣٥.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٥، نهاية المحتاج ٧ / ٢٣٩، المغني لابن قدامة ٧ / ٦٤٣.