للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ بِمَا لَيْسَ فِي نَفْسِهِ شَانَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لاَ يَقْبَل مِنَ الْعِبَادِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي عَاجِل رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ (١) .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ غَضْبَانُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ (٢) .

وَفِي مَعْنَى الْغَضَبِ كُل مَا شَغَل فِكْرَهُ مِنَ الْجُوعِ الْمُفْرِطِ وَالْعَطَشِ الشَّدِيدِ وَالْوَجَعِ الْمُزْعِجِ أَوْ لِشُعُورِهِ بِشِدَّةِ النُّعَاسِ أَوِ الْحُزْنِ أَوِ السُّرُورِ، فَهَذِهِ كُلُّهَا أُمُورٌ تَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الْفِكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَتَجْرِي مَجْرَاهُ، أَمَّا إِنِ اسْتَبَانَ لَهُ الْحَقُّ وَاتَّضَحَ الْحُكْمُ ثُمَّ عَرَضَ الْغَضَبُ لَمْ يَمْنَعْهُ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ قَبْل الْغَضَبِ فَلاَ يُؤَثِّرُ


(١) إعلام الموقعين ١ / ٨٥ وما بعدها ط. دار الجيل بيروت ١٩٧٣، وبدائع الصنائع للكاساني ٧ / ٩، وتبصرة الحكام ١ / ٢٨، والمبسوط للسرخسي ١٦ / ٦٣ مطبعة السعادة وشرح أدب القاضي للخصاف - وشرح أدب القاضي لابن مازة ١ / ٢٢٧، وروضة القضاة للسمناني ٤ / ١٤٨٩، واستشهد الماوردي - في كتاب أدب القاضي - بفقرات عديدة منه ابتداء من ١ / ٢٥٠، والبيان والتبيين ٢ / ٤٨ مطبعة لجنة التأليف والنشر، والكامل للمبرد ١ / ١٤، وأثر عمر بن الخطاب: " إن القضاء فريضة محكمة. . " أخرجه البيهقي (١٠ / ١٥٠) .
(٢) حديث: " لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٣ / ١٣٦) ومسلم (٣ / ١٣٤٣) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة واللفظ لمسلم.