للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ فِي الْحُدُودِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ قَوْل بَعْضِهِمْ بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ.

وَعَلَّل الْحَنَفِيَّةُ عَدَمَ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِأَنَّهُمَا لاَ يَثْبُتَانِ إِلاَّ بِالإِْقْرَارِ أَوِ الشَّهَادَةِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالإِْقْرَارِ خَارِجَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلاَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْغَائِبِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، حَتَّى إِنَّ الطَّرَفَيْنِ - أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا - اشْتَرَطَا حُضُورَ الشُّهُودِ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْحُدُودِ وَالْبِدَايَةِ مِنْهُمْ أَيْضًا كَحَدِّ الرَّجْمِ احْتِيَاطًا فِي دَرْءِ الْحَدِّ، فَإِذَا غَابَ الشُّهُودُ أَوْ غَابَ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ وَلأَِنَّ الشُّهُودَ إِذَا بَدَءُوا بِالرَّجْمِ رُبَّمَا اسْتَعْظَمُوا فِعْلَهُ فَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (١) .

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمُ الْقَضَاءَ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لأَِنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَأَشْبَهَ الْمَال، وَمَنَعُوهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ تَعْزِيرٍ لَهُ؛ لأَِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالدَّرْءِ؛ لاِسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى، بِخِلاَفِ حَقِّ الآْدَمِيِّ (٢) .

الْقَوْل الثَّانِي عِنْدَهُمُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَسْعَى فِي دَفْعِهِ وَلاَ يُوَسَّعُ بَابُهُ، وَالْقَوْل


(١) البدائع ٧ / ٥٨، وابن عابدين ٣ / ١٤٥، ١٤٦، وفتح القدير ٤ / ١٢٣.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٤١٥.