للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَتَّهِمُونَهُ بِالْجَهْل، وَلَكِنْ يُقِيمُ النَّاسَ عَنِ الْمَجْلِسِ ثُمَّ يُشَاوِرُهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي يَدْخُلُهُ حَصْرٌ بِإِجْلاَسِهِمْ عِنْدَهُ وَيُعْجِزُهُ الْكَلاَمُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلاَ يُجْلِسُهُمْ، بَل يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ وَيَسْأَلُهُمْ إِذَا أَشْكَل عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ (١) .

وَالأَْمْرُ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالْمُشَاوَرَةِ فِيهِ هُوَ النَّوَازِل الْحَادِثَةُ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا قَوْلٌ لِمَتْبُوعٍ، أَوْ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ مَسَائِل الاِجْتِهَادِ، لِيَتَنَبَّهَ بِمُذَاكَرَتِهِمْ وَمُنَاظَرَتِهِمْ عَلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَوْضِحَ بِهِمْ طَرِيقَ الاِجْتِهَادِ، فَيَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ دُونَ اجْتِهَادِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُشَاوِرْ وَحَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ.

وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُشَاوِرُهُ الْقَاضِي: أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآْثَارِ وَأَقَاوِيل النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ.

وَعَلَى هَذَا فَكُل مَنْ صَحَّ أَنْ يُفْتِيَ فِي الشَّرْعِ جَازَ أَنْ يُشَاوِرَهُ الْقَاضِي فِي الأَْحْكَامِ،


(١) مغني المحتاج ٤ / ٣٩١، وتبصرة الحكام ١ / ٣٧، ٣٨، وبدائع الصنائع ٧ / ١١، ١٢، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٤٧٠، والشرح الصغير ٤ / ١٩٥، والمغني لابن قدامة ٩ / ٥١، وروضة القضاة للسمناني ١ / ١٠٧، والمبسوط ١٦ / ٧٩.