للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ لَمْ يَحْصُل بِحُكْمِهِ الْحِل بَاطِنًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالاً أَمْ غَيْرَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَل بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ (١) ، فَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ نِكَاحًا لَمْ يَحِل لِلْمَحْكُومِ لَهُ الاِسْتِمْتَاعُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَيْهَا الاِمْتِنَاعُ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ أُكْرِهَتْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهَا، وَالإِْثْمُ عَلَيْهِ (٢) .

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ، فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مَبْنِيًّا عَلَى شَهَادَةِ زُورٍ فَهُوَ مَحَلٌّ قَابِلٌ لِلنَّفَاذِ فِي الْعُقُودِ وَفِي الْفُسُوخِ كَالإِْقَالَةِ وَالطَّلاَقِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي عَالِمًا بِكَوْنِ الشُّهُودِ شُهُودَ زُورٍ، لِقَوْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ: " شَاهِدَاكِ


(١) حديث: " إنما أنا بشر. . " أخرجه البخاري (فتح الباري ١٣ / ١٥٧) ومسلم (٣ / ١٣٣٧) من حديث أم سلمة واللفظ للبخاري.
(٢) القوانين الفقهية ص ١٩٦، وحاشية الدسوقي ٤ / ١٥٦، والشرح الصغير ٤ / ٢٢٣، ومغني المحتاج ٤ / ٣٩٧، والروضة ١١ / ١٥٢، ١٥٣، والمغني ٩ / ٥٨، ٥٩، وشرح منتهى الإرادات ٣ / ٥٠٠، وشرح المجلة لعلي حيدر ٤ / ٥٢٠.