للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطَّبَرِيُّ الْحُرْمَةَ - أَيْ فِي التَّخَلِّي - عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ قُزَحٍ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مَحَل الرَّمْيِ، وَإِطْلاَقُهُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَلَعَل وَجْهَهُ أَنَّهَا مَحَال شَرِيفَةٌ ضَيِّقَةٌ، فَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِيهَا لاَسْتَمَرَّ وَبَقِيَ وَقْتَ الاِجْتِمَاعِ فِيهَا، فَيُؤْذِي حِينَئِذٍ، قَال: وَيَظْهَرُ أَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي مَحَل جُلُوسِ النَّاسِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ الْكَرَاهَةُ، أَمَّا عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى فَلاَ يَحْرُمُ فِيهَا لِسَعَتِهَا، وَلَكِنْ جَزَمَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ الْقَوْل بِالْحُرْمَةِ مَرْجُوحٌ، وَقَال بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ حَتَّى فِي مُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَسَائِرِ أَمَاكِنِ اجْتِمَاعِ الْحَاجِّ.

وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: تَوَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَتَأَوَّل أَنَّهَا مَسْجِدٌ، وَقَال: هَذَا التَّأْوِيل مَرْدُودٌ بِالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ، وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَالسَّلَفُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ تُؤَيِّدُ هَذَا التَّوَرُّعَ، مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ إِلَى الْمُغَمَّسِ (١) وَهُوَ مَكَانٌ عَلَى نَحْوِ الْمِيلَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (٢) .


(١) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب لحاجته إلى المغمس ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ٢٠٣) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات من أهل الصحيح.
(٢) نهاية المحتاج ١ / ١٢٥، إعلام الساجد ص١٣٤.