للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذَا الْوُجُوبِ، هَل هُوَ وُجُوبٌ عَيْنِيٌّ، أَوْ وُجُوبٌ كِفَائِيٌّ؟ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الأَْصْل أَنَّ الاِسْتِمَاعَ لِلْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، لأَِنَّهُ لإِِقَامَةِ حَقِّهِ، بِأَنْ يَكُونَ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ غَيْرَ مُضَيِّعٍ، وَذَلِكَ يَحْصُل بِإِنْصَاتِ الْبَعْضِ، كَمَا فِي رَدِّ السَّلاَمِ.

وَنَقَل الْحَمَوِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ يَحْيَى الشَّهِيرِ بِمِنْقَارِي زَادَهْ: أَنَّ لَهُ رِسَالَةً حَقَّقَ فِيهَا أَنَّ سَمَاعَ الْقُرْآنِ فَرْضُ عَيْنٍ. (١)

نَعَمْ إنَّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الأَْعْرَافِ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (٢) قَدْ نَزَلَتْ لِنَسْخِ جَوَازِ الْكَلاَمِ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ. (٣) إلاَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَلَفْظُهَا يَعُمُّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ وَفِي غَيْرِهَا. (٤)

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يُسْتَحَبُّ اسْتِمَاعُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. (٥)

٤ - وَيُعْذَرُ الْمُسْتَمِعُ بِتَرْكِ الاِسْتِمَاعِ لِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَلاَ يَكُونُ آثِمًا بِذَلِكَ - بَل الآْثِمُ هُوَ التَّالِي، عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ - إِذَا وَقَعَتِ التِّلاَوَةُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ فِي أَمَاكِنِ الاِشْتِغَال، وَالْمُسْتَمِعُ فِي حَالَةِ اشْتِغَالٍ، كَالأَْسْوَاقِ الَّتِي بُنِيَتْ لِيَتَعَاطَى فِيهَا النَّاسُ أَسْبَابَ الرِّزْقِ، وَالْبُيُوتِ فِي حَالَةِ تَعَاطِي أَهْل الْبَيْتِ أَعْمَالَهُمْ مِنْ كَنْسٍ وَطَبْخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ،


(١) حاشية ابن عابدين ١ / ٣٦٧.
(٢) سورة الأعراف / ٢٠٤.
(٣) انظر تفسير القرطبي لهذه الآية (٧ / ٣٥٣ ط دار الكتب المصرية ١٩٦٠ م) .
(٤) حاشية ابن عابدين ١ / ٣٦٦.
(٥) شرح منتهى الإرادات ١ / ٢٤٢.