للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيَسْقُطُ جُرْمُهُ، وَيَلْقَى اللَّهَ - تَعَالَى - وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَعِيدَ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا لاَ يَقُول بِهِ أَحَدٌ (١) .

قَال القرطبي: وَكَيْفَ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ، وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَالِفُ: الْكَذِبَ، وَاسْتِحْلاَل مَال الْغَيْرِ، وَالاِسْتِخْفَافَ بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّهَاوُنَ بِهَا وَتَعْظِيمَ الدُّنْيَا؟ فَأَهَانَ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ، وَعَظَّمَ مَا حَقَّرَهُ اللَّهُ، وَحَسْبُكَ. وَلِهَذَا قِيل: إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْيَمِينُ غَمُوسًا لأَِنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ (٢) .

وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الآْيَةِ قَال: فَهَذِهِ الْيَمِينُ فِي الْكَذِبِ وَاقْتِطَاعِ الْحُقُوقِ، فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ فَقَال: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ يُعْطَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} (٣) .

وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ كَذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي


(١) المبسوط ٨ / ١٢٨، والجامع لأحكام القرآن ٦ / ٢٦٨، ومواهب الجليل والتاج والإكليل ٣ / ٢٦٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٢٦٨.
(٣) المدونة الكبرى ٣ / ١٠٠، ١٠١، والآية من سورة آل عمران / ٧٧.