للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا كَعْبُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُول: النِّصْفُ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا (١) .

وَيَأْخُذُ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ بِعُقُوبَةِ الْمُلاَزَمَةِ، وَجَعَلُوهَا حَقًّا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَقَدْ تَعَرَّضَ الْحَنَفِيَّةُ لِذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْحَبْسِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ، فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يُلْزِمَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ لَهُ مُلاَزَمَتَهُ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَلِطَالِبِ الْحَقِّ أَنْ يُلاَزِمَ الْغَرِيمَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِمُلاَزَمَتِهِ، وَلاَ فَلَّسَهُ، وَهَذَا إِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْحَقِّ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُ لإِِعْسَارِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَاضٍ، وَالرَّأْيُ فِي الْمُلاَزَمَةِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ، إِنْ شَاءَ لاَزَمَ الْمَدِينَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمَدِينُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ وَكَّل غَيْرَهُ بِمُلاَزَمَتِهِ، فَإِنْ وَكَّل أَحَدًا بِمُلاَزَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً بِالْقَبْضِ وَلاَ بِالْخُصُومَةِ، مَا لَمْ يَجْعَل إِلَيْهِ ذَلِكَ.

وَصِفَةُ الْمُلاَزَمَةِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنَ الدُّخُول إِلَى أَهْلِهِ، أَوْ دُخُول بَيْتِهِ لِطَعَامٍ وَنَحْوِهِ. قَالُوا: وَلاَ يُلاَزِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلاَ يُقِيمُهُ فِي الشَّمْسِ، أَوْ عَلَى الثَّلْجِ، أَوْ فِي


(١) فتح الباري ١ / ٥٥١ و٥ / ٧٦ وحديث كعب بن مالك: " أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ٧٦) .