للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (١) .

وَلِذَلِكَ شَرَعَ الإِْسْلاَمُ نَصِيبًا مِنْ مَال الزَّكَاةِ لِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: قَال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: اخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فَقِيل: هُمْ صِنْفٌ مِنَ الْكُفَّارِ يُعْطَوْنَ لِيَتَأَلَّفُوا عَلَى الإِْسْلاَمِ، وَكَانُوا لاَ يُسْلِمُونِ بِالْقَهْرِ وَالسَّيْفِ، وَلَكِنْ يُسْلِمُونَ بِالْعَطَاءِ وَالإِْحْسَانِ، وَقِيل: هُمْ قَوْمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يُعْطَوْنَ لِيَتَأَلَّفُوا أَتْبَاعَهُمْ عَلَى الإِْسْلاَمِ، قَال: هَذِهِ الأَْقْوَال مُتَقَارِبَةٌ، وَالْقَصْدُ بِجَمِيعِهَا الإِْعْطَاءُ لِمَنْ لاَ يُتَمَكَّنُ إِسْلاَمُهُ حَقِيقَةً إِلاَّ بِالْعَطَاءِ فَكَأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْجِهَادِ.

وَقَال: الْمُشْرِكُونَ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يَرْجِعُ بِإِقَامَةِ الْبُرْهَانِ، وَصِنْفٌ بِالْقَهْرِ، وَصِنْفٌ بِالإِْحْسَانِ، وَالإِْمَامُ النَّاظِرُ لِلْمُسْلِمِينَ يَسْتَعْمِل مَعَ كُل صِنْفٍ مَا يَرَاهُ سَبَبًا لِنَجَاتِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِنَ الْكُفْرِ (٢) ، وَقَدْ فَقَّهَ الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ فِي تَأْلِيفِ النَّاسِ عَلَى الإِْسْلاَمِ بِقَوْلِهِ: إِنِّي لأَُعْطِي الرَّجُل وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ (٣) .


(١) سورة فصلت / ٣٤.
(٢) تفسير القرطبي ٨ / ١٧٩.
(٣) حديث: " إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه. . . ". أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٣٤٠) ومسلم (٢ / ٧٣٣) من حديث سعد ابن أبي وقاص.