للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِقَوْلِهِمْ: لأَِنَّهُ يَجِبُ رَفْعُ الظُّلْمِ عَنِ الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ لاَ يُمْكِنُ رَفْعُهُ إِلَى حَاكِمِ أَهْل الذِّمَّةِ، وَلاَ يُمْكِنُ تَرْكُهُمَا مُتَنَازِعَيْنِ، فَرَدَدْنَا مَنْ مَعَ الْمُسْلِمِ إِلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ، وَلأَِنَّ فِي تَرْكِ الإِْجَابَةِ إِلَيْهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ (١) .

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ طَرَفَا الدَّعْوَى غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَحَاكَمَ إِلَيْنَا مُسْتَأْمِنَانِ، أَوِ اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ خُيِّرَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْحُكْمِ وَتَرْكِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} .

وَقَال مَالِكٌ: وَتَرْكُ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَقَيَّدَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنْ تَتَّفِقَ مِلَّتَاهُمَا كَنَصْرَانِيَّيْنِ مَثَلاً، وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ اتِّفَاقُهُمَا، فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا، لَمْ يُحْكَمْ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا حُكْمَنَا، وَرُوِيَ التَّخْيِيرُ عَنِ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ.

وَإِذَا حَكَمَ فَلاَ يَحْكُمُ إِلاَّ بِحُكْمِ الإِْسْلاَمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} .

وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْنَا لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ وَلاَ يَدْعُوهُمْ إِلَى


(١) مغني المحتاج ٣ / ١٩٥، وكشاف القناع ٣ / ١٤٠، وتفسير القرطبي ٦ / ١٨٤، ١٨٥، والمدونة الكبرى ٤ / ٤٠٠، وأحكام القرآن للجصاص ٢ / ٥٢٨، والمبسوط ١٠ / ٩٣.