للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَرَاهُ لَهُ بِسَبَبِ تَحَمُّل مَشَقَّةِ الْخِدْمَةِ لأَِجْلِهِ.

وَيَخْتَلِفُ أَجْرُ تَحَمُّل الْمَشَاقِّ بِشِدَّةِ الْمَشَاقِّ وَخِفَّتِهَا (١) .

وَقَال الشَّاطِبِيُّ: كَمَا أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَكُونُ دُنْيَوِيَّةً، كَذَلِكَ تَكُونُ أُخْرَوِيَّةً، فَإِنَّ الأَْعْمَال إِذَا كَانَ الدُّخُول فِيهَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل وَاجِبٍ أَوْ فِعْل مُحَرَّمٍ فَهُوَ أَشَدُّ مَشَقَّةً - بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ - مِنَ الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِدِينٍ، وَاعْتِبَارُ الدِّينِ مُقَدَّمٌ عَلَى اعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالأَْعْضَاءِ وَغَيْرِهَا فِي نَظَرِ الشَّارِعِ، فَالْمَشَقَّةُ الدِّينِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ فِي الاِعْتِبَارِ عَلَى الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ فِي إِدْخَال الْمَشَقَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ (٢) .

فَالْمَشَقَّةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ تَكُونُ غَيْرَ مَطْلُوبَةٍ وَلاَ الْعَمَل الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَشَقَّةِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْمُعْتَادِ مَطْلُوبًا، فَقَدْ نَشَأَ هُنَا نَظَرٌ فِي تَعَارُضِ مَشَقَّتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إِنْ لَزِمَ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِنَفْسِهِ فَسَادٌ وَمَشَقَّةٌ لِغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ أَيْضًا مِنَ الاِشْتِغَال بِغَيْرِهِ فَسَادٌ وَمَشَقَّةٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَصَدَّى النَّظَرُ فِي وَجْهِ اجْتِمَاعِ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشَقَّتَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّةُ الْعَامَّةُ أَعْظَمَ اعْتُبِرَ جَانِبُهَا


(١) قواعد الأحكام ١ / ٣١.
(٢) الموافقات للشاطبي ٢ / ١٥٣ - ١٥٤.