للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَفَرًا وَحَضَرًا، وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ اسْتِنْمَاءُ الْمَال وَهَذَا الْمَقْصُودُ بِالسَّفَرِ أَوْفَرُ، وَلأَِنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مُطْلَقًا عَنِ الْمَكَانِ فَيَجْرِي عَلَى إِِطْلاَقِهِ، وَلأَِنَّ مَأْخَذَ الاِسْمِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لأَِنَّ الْمُضَارَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الأَْرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ طَلَبًا لِلْفَضْل. فَمَلَكَ السَّفَرَ بِمُطْلَقِهَا، قَال تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْل اللَّهِ} (١) .

وَنَقَل أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَال: إِِذَا دَفَعَ إِِلَيْهِ الْمَال بِالْكُوفَةِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِيهَا فَلَيْسَ لِلْعَامِل أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَال، وَلَوْ كَانَ الدُّفَعُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْكُوفَةِ فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، لأَِنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْمَال مُخَاطَرَةٌ بِهِ فَلاَ تَجُوزُ إِِلاَّ بِإِِِذْنِ رَبِّ الْمَال نَصًّا أَوْ دَلاَلَةً، فَإِِِذَا دَفَعَ إِِلَيْهِ الْمَال فِي بَلَدِهِمَا فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالسَّفَرِ نَصًّا وَلاَ دَلاَلَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ، وَإِِِذَا دَفَعَ إِِلَيْهِ فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا فَقَدْ وَجَدَ دَلاَلَةَ الإِِِْذْنِ بِالرُّجُوعِ إِِلَى الْوَطَنِ، لأَِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الإِِِْنْسَانَ لاَ يَأْخُذُ الْمَال مُضَارَبَةَ وَيَتْرُكُ بَلَدَهُ، فَكَانَ دَفْعُ الْمَال فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا رِضًا بِالرُّجُوعِ إِِلَى الْوَطَنِ فَكَانَ إِِذْنًا دَلاَلَةً (٢) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: سَفَرُ الْعَامِل بِمَال الْمُضَارَبَةِ


(١) سورة المزمل / ٢٠.
(٢) بدائع الصنائع ٦ / ٨٨، والشرح الصغير ٣ / ٦٩٤، وروضة الطالبين ٥ / ١٣٤، والإنصاف ٥ / ٤١٨، والمغني ٥ / ٤١.