للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَال وَالْمُضَارِبِ فَسْخُ الْعَقْدِ بِإِِِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ مَتَى شَاءَ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ: فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لِكُل مِنَ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مَتَى شَاءَ دُونَ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الآْخَرِ وَكَوْنُ رَأْسِ الْمَال نَاضًّا.

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِكُل مِنْ رَبِّ الْمَال وَالْمُضَارِبِ الْفَسْخُ بِشَرْطِ عِلْمِ صَاحِبِهِ وَكَوْنِ رَأْسِ الْمَال عَيْنًا عِنْدَ الْفَسْخِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْفَسْخِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ قَبْل شِرَاءِ السِّلَعِ بِالْمَال (١) .

وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ تَفْصِيلٌ.

قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِِذَا نَهَى رَبُّ الْمَال الْمُضَارِبَ عَنِ الْعَمَل بِمَالِهِ قَبْل الْعَمَل انْحَل عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ وَيَصِيرُ الْمَال كَالْوَدِيعَةِ، فَإِِِذَا عَمِل بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ الرِّبْحُ وَحْدَهُ وَعَلَيْهِ الْخُسْرُ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَال عَلَيْهِ إِِلاَّ رَأْسُ الْمَال (٢) .

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ نَهَى رَبُّ الْمَال الْمُضَارِبَ عَنِ التَّصَرُّفِ وَرَأْسُ الْمَال عُرُوضٌ وَقْتَ النَّهْيِ لَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ، أَيْ وَلاَ يَنْعَزِل بِهَذَا النَّهْيِ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعُرُوضَ لأَِنَّهُ يَحْتَاجُ إِِلَى بَيْعِهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِيَظْهَرَ الرِّبْحُ، فَكَانَ النَّهْيُ وَالْفَسْخُ


(١) بدائع الصنائع ٦ / ١٠٩، والشرح الصغير ٣ / ٧٠٥، ومغني المحتاج ٢ / ٣١٩، والمغني ٥ / ٥٨
(٢) الشرح الصغير ٣ / ٧٩٧.