للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكُونُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ وَيُرِيدُ أَنْ يَبْحَثَ فِيهَا حَتَّى تَتَبَيَّنَ لَهُ، أَوْ عِنْدَهُ سُؤَالٌ وَارِدٌ يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَهُ حَتَّى يُزِيل مَا عِنْدَهُ فَيَسْكُتُ إِذْ ذَاكَ فَيَمْنَعُهُ مِنَ الْمَقْصُودِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُسْكِتَ أَحَدًا إِلاَّ إِذَا خَرَجَ عَنِ الْمَقْصُودِ أَوْ كَانَ سُؤَالُهُ وَبَحْثُهُ مِمَّا لاَ يَنْبَغِي فَيُسْكِتُهُ الْعَالِمُ بِرِفَقٍ وَيُرْشِدُهُ إِلَى مَا هُوَ أَوْلَى فِي حَقِّهِ مِنَ السُّكُوتِ أَوِ الْكَلاَمِ، فَكَيْفَ يَقُومُ عَلَى الطَّلَبَةِ شَخْصٌ سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنَ الْعَوَامِّ النَّافِرِينَ عَنِ الْعِلْمِ فَيُؤْذِيهِمْ بِبَذَاءَةِ لِسَانِهِ وَزَجْرِهِ بِعُنْفٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى نُفُورِ الْعَامَّةِ أَكْثَرَ سِيَّمَا وَمَنْ شَأْنُهُمُ النُّفُورُ فِي الْغَالِبِ مِنَ الْعِلْمِ، لأَِنَّهُ حَاكِمٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّفُوسُ فِي الْغَالِبِ تَنْفِرُ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا، فَإِذَا رَأَى الْعَوَامُّ ذَلِكَ الْفِعْل الْمَذْمُومَ يُفْعَل مَعَ الطَّلَبَةِ أَمْسَكَتِ الْعَامَّةُ عَنِ السُّؤَال عَمَّا يَضْطَرُّونَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَتْمًا لِلْعِلْمِ وَاخْتِصَاصًا بِهِ وَشَأْنُ الْعَالِمِ سَعَةُ الصَّدْرِ وَهُوَ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يَضِيقَ عَنْ سُؤَال الْعَامَّةِ وَجَفَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَيْهِ إِذْ إِنَّهُ مَحَل الْكَمَال وَالْفَضَائِل وَقَدْ عُلِمَ مَا فِي سَعَةِ الْخُلُقِ مِنَ الثَّنَاءِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَنَاقِبِ الْعُلَمَاءِ مَا لاَ يَأْخُذُهُ حَصْرٌ (١) ، قَال تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (٢)


(١) المدخل لابن الحاج ٢ / ١٠٧.
(٢) سورة آل عمران / ١٥٩.