للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمِنْهَا مَا يَدُل عَلَى تَسْمِيَةِ كُل مُسْكِرٍ خَمْرًا، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ} . كَمَا يَدُل بَعْضُهَا عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، قَل أَوْ كَثُرَ، سَكِرَ مِنْهُ شَارِبُهُ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (١) . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّيءَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إِذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، هُوَ الْخَمْرُ الَّتِي يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، لأَِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ، فَيَسْتَوِي فِي الْحُرْمَةِ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا. أَمَّا عَصِيرُ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ، أَوِ الْمَطْبُوخُ مِنْهُمَا بِشَرْطِهِ، فَلَيْسَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ (٢) . وَمِنْ هُنَا فَلاَ يَحْرُمُ إِلاَّ السُّكْرُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَأَمَّا السَّكَرُ وَالْفَضِيخُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ، فَيَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الأَْحَادِيثِ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ} . (٣) وَأَشَارَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ


(١) مغني المحتاج ٤ / ١٨٧، والمغني ٨ / ٣٠٤، والمدونة ٦ / ٢٦١، وكشاف القناع ٦ / ١١٧، والتفسير الكبير ٦ / ٤٤ - ٤٥.
(٢) هذه الأشياء تصنع من التمر أو من العنب كما تقدم.
(٣) حديث: " الخمر من هاتين الشجرتين " أخرجه مسلم (٣ / ١٥٧٣ ط الحلبي) ، وأبو داود (٤ / ٨٤ - ٨٥ ط عزت عبيد دعاس) . وحصر الأحناف الخمر في التمر والعنب بناء على هذا الحديث، وخالفهم الجمهور، فقالوا: ليس في الحديث حصر، ويجوز أن تكون الخمرة من غير هاتين الشجرتين. (انظر المغني ٨ / ٣٠٤ - ٣٠٥، والمدونة ٦ / ٢٦١، والمحلى ٧ / ٤٩٣ وما بعدها) .