للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَلَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِتَتَدَاوَلَهُمَا الأَْيْدِي، وَيَكُونَا حَاكِمَيْنِ بَيْنَ الأَْمْوَال بِالْعَدْل، وَلِحِكْمَةٍ أُخْرَى وَهِيَ التَّوَسُّل بِهِمَا إِلَى سَائِرِ الأَْشْيَاءِ؛ لأَِنَّهُمَا عَزِيزَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَلاَ غَرَضَ فِي أَعْيَانِهِمَا، وَنِسْبَتُهُمَا إِلَى سَائِرِ الأَْشْيَاءِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ مَلَكَهُمَا فَكَأَنَّهُ مَلَكَ كُل شَيْءٍ (١) .

وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: الْعَدْل فِي الْمُعَامَلاَتِ إِنَّمَا هُوَ التَّسَاوِي، أَوْ مُقَارَبَةُ التَّسَاوِي، وَلِذَلِكَ لَمَّا عَسُرَ إِدْرَاكُ التَّسَاوِي فِي الأَْشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالذَّاتِ جُعِل الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ لِتَقْوِيمِهَا، أَعْنِي تَقْدِيرَهَا (٢) .

وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ تَقْوِيمُ الأَْمْوَال، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا مُنْضَبِطًا، لاَ يَرْتَفِعُ وَلاَ يَنْخَفِضُ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ كَالسِّلَعِ لَمْ يَكُنْ لَنَا ثَمَنٌ نَعْتَبِرُ بِهِ الْمَبِيعَاتِ، بَل الْكُل سِلَعٌ، وَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ثَمَنٍ يَعْتَبِرُونَ بِهِ الْمَبِيعَاتِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ بِسِعْرٍ تُعْرَفُ بِهِ الْقِيمَةُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ؛ إِذْ يَصِيرُ سِلْعَةً يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ، فَتَفْسُدُ مُعَامَلاَتُ النَّاسِ وَيَقَعُ الْخُلْفُ (٣) .


(١) إحياء علوم الدين للغزالي ١٢ / ٢٢١٩ ط دار الشعب.
(٢) بداية المجتهد ٢ / ٩٩.
(٣) إعلام الموقعين عن رب العالمين ٢ / ١٥٥، ١٥٦.