للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ عِدَّةَ صُوَرٍ مِنْهَا: مَا يُسَمَّى بِمَسْأَلَةِ إِيدَاعِ الشَّهَادَةِ، كَأَنْ يَقُول لَهُ الْخَصْمُ: لاَ أُقِرُّ لَكَ حَتَّى تُبْرِئَنِي مِنْ نِصْفِ الدَّيْنِ أَوْ ثُلُثِهِ، وَأَشْهَدُ عَلَيْكَ إِنَّكَ لاَ تَسْتَحِقُّ عَلَى بُعْدِ ذَلِكَ شَيْئًا، فَيَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ إِلَى رَجُلَيْنِ فَيَقُول: اشْهَدَا أَنِّي عَلَى طَلَبِ حَقِّي كُلِّهِ مِنْ فُلاَنٍ، وَأَنِّي لَمْ أُبْرِئْهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُظْهِرَ مُصَالَحَتَهُ عَلَى بَعْضِهِ، لأَِتَوَصَّل بِالصُّلْحِ إِلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي، وَأَنِّي إِذَا أَشْهَدْتُ أَنِّي لاَ أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ سِوَى مَا صَالَحَنِي عَلَيْهِ فَهُوَ إِشْهَادٌ بَاطِلٌ، وَأَنِّي إِنَّمَا أَشْهَدْتُ عَلَى ذَلِكَ تَوَصُّلاً إِلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي، فَإِذَا فَعَل ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَقَاءَهُ عَلَى حَقِّهِ، وَيُقِيمَ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ. (١) فَالإِْنْسَانُ لَهُ التَّوَصُّل إِلَى حَقِّهِ بِكُل طَرِيقٍ جَائِزٍ، وَقَدْ تَوَصَّل الْمَظْلُومُ إِلَى حَقِّهِ بِطَرِيقٍ لَمْ يُسْقِطْ بِهَا حَقًّا لأَِحَدٍ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا مَا لاَ يَحِل لَهُ أَخْذُهُ، فَلاَ خَرَجَ بِهَا مِنْ حَقٍّ، وَلاَ دَخَل بِهَا فِي بَاطِلٍ.

وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيَجْحَدُهُ، وَيَأْبَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ حَتَّى تُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَةَ فُلاَنٍ، وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ إِقْرَارًا كَاذِبًا لاَ حَقِيقَةَ لَهُ لأَِتَوَصَّل بِذَلِكَ إِلَى أَخْذِ مَالِي عِنْدَهُ، فَاشْهَدُوا أَنَّ إِقْرَارِي بِالزَّوْجِيَّةِ بَاطِلٌ أَتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَخْذِ حَقِّي.

وَمِثْلُهُ أَيْضًا: أَنْ يُنْكِرَ نَسَبَ أَخِيهِ، وَيَأْبَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ شَيْئًا، وَأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ جَمِيعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهُ قَبَضَهُ، أَوِ اعْتَاضَ


(١) إعلام الموقعين ٤ / ٣٠ ط الأولى التجارية.