للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاَ تَخْفَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ (١) .

وَأَمَّا الْمَعْقُول فَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي قَبْل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْجَوَابُ، وَهُوَ جَوَابٌ يُوَصِّلُهُ إِلَى حَقِّهِ وَهُوَ الإِْقْرَارُ، فَإِذَا فَوَّتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِنْكَارِهِ حَوَّلَهُ الشَّرْعُ إِلَى الْيَمِينِ خَلَفًا عَنْ أَصْل حَقِّهِ، فَإِذَا مَنَعَهُ الْحَلِفَ يَعُودُ إِلَيْهِ أَصْل حَقِّهِ، لأَِنَّهُ لاَ يُتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِ الْحَلِفِ شَرْعًا إِلاَّ بِإِيفَاءِ مَا هُوَ أَصْل الْحَقِّ (٢) . وَإِنَّهُ ظَهَرَ صِدْقُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ عِنْدَ نُكُول الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُقْضَى لَهُ بِمَا ادَّعَى بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَيْهِ، وَدَلاَلَةُ الْوَصْفِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ظُهُورِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ إِنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَدْ عَارَضَهُ النُّكُول، لأَِنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي إِنْكَارِهِ، فَلَمَّا نَكَل زَال الْمَانِعُ لِلتَّعَارُضِ، فَظَهَرَ صِدْقُ دَعْوَاهُ (٣) . وَبِأَنَّ نُكُول الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَل عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلاً، إِنْ كَانَ النُّكُول بَذْلاً، أَوْ مُقِرًّا بِالْحَقِّ إِنْ كَانَ النُّكُول إِقْرَارًا، إِذْ لَوْلاَ ذَلِكَ لأََقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إِقَامَةً لِلْوَاجِبِ - لأَِنَّهَا وَاجِبَةٌ - وَدَفْعًا لِضَرَرِ الدَّعْوَى عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ كَوْنِهِ


(١) الْمَبْسُوط ١٧ / ٣٤، وَبَدَائِع الصَّنَائِع ٨ / ٣٩٣٥
(٢) الْمَبْسُوط ١٧ / ٣٥
(٣) بَدَائِع الصَّنَائِع ٨ / ٣٩٣٥