للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ كَانَ بِالتَّقَاضِي فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ يَكُونُ فَسْخًا؛ لأَِنَّهُ تَمَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَحُكْمُهُ الْفَسْخُ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الرُّجُوعُ بِالتَّرَاضِي فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ غَيْرَ زُفَرَ إِلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ لِلْهِبَةِ، وَقَال زُفَرُ: إِنَّهُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ (١) .

وَحُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْوَاهِبَ بِالْفَسْخِ يَسْتَوْفِي حَقَّ نَفْسِهِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَهَذَا بِخِلاَفِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ صِفَةُ السَّلاَمَةِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمِ الْمَبِيعَ اخْتَل رِضَاهُ، فَيَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ ضَرُورَةً، فَتَوَقَّفَ لُزُومُ مُوجِبِ الْفَسْخِ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي.

وَحُجَّةُ زُفَرَ: أَنَّ مِلْكَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ عَادَ إِلَى الْوَاهِبِ بِتَرَاضِيهِمَا فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَيُعْتَبَرُ عَقْدًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ: أَنَّ الْمُتَّهَبَ إِذَا رَدَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ، وَهَذَا حُكْمُ الْهِبَةِ


(١) الْبَدَائِع ٦ / ١٣٤، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ ٤ / ٥٤٢.