للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُهْجَرُ حَتَّى يَتُوبَ مِنْهَا، كَمَا هَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى أَنْزَل اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ (١) ، حِينَ ظَهَرَ مِنْهُمْ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَمْ يَهْجُرْ مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا، فَهُنَا الْهَجْرُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ (٢) .

وَهَذَا الْهَجْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْهَاجِرِينَ فِي قُوَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زَجْرُ الْمَهْجُورِ وَتَأْدِيبُهُ وَرُجُوعُ الْعَامَّةِ عَنْ مِثْل حَالِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ رَاجِحَةً بِحَيْثُ يُفْضِي هَجْرُهُ إِلَى ضَعْفِ الشَّرِّ وَخُفْيَتِهِ كَانَ مَشْرُوعًا، وَإِنْ كَانَ لاَ الْمَهْجُورُ وَلاَ غَيْرُهُ يَرْتَدِعُ بِذَلِكَ، بَل يَزِيدُ الشَّرُّ، وَالْهَاجِرُ ضَعِيفٌ بِحَيْثُ تَكُونُ مَفْسَدَةُ ذَلِكَ رَاجِحَةً عَلَى مَصْلَحَتِهِ لَمْ يُشْرَعِ الْهَجْرُ، بَل يَكُونُ التَّأْلِيفُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْفَعَ مِنَ الْهَجْرِ، وَالْهَجْرُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْفَعَ مِنَ التَّأْلِيفِ.

وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفُ قَوْمًا وَيَهْجُرُ آخَرِينَ، كَمَا أَنَّ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا كَانُوا خَيْرًا مِنْ أَكْثَرِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لَمَّا كَانَ أُولَئِكَ كَانُوا


(١) حَدِيث " هَجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ الثَّلاَثَة الَّذِينَ خَلَّفُوا. . . " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ف ٦.
(٢) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّةَ ٢٨ / ٢٠٣.