للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَأْوِيلُهَا عَلَى ثَلاَثِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ فِي أَوَّل الإِْسْلاَمِ مَنْدُوبًا إِلَيْهَا، ثُمَّ فُرِضَتْ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ ارْتَفَعَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ، وَعَادَ الأَْمْرُ فِيهَا إِلَى النَّدْبِ وَالاِسْتِحْبَابِ، فَهُمَا هِجْرَتَانِ: الْمُنْقَطِعَةُ هِيَ الْمَفْرُوضَةُ، وَالْبَاقِيَةُ هِيَ الْمَنْدُوبَةُ. وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْخَطَّابِيِّ (١) .

وَالثَّانِي: أَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ارْتَفَعَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ؛ لأَِنَّ مَكَّةَ صَارَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ دَارَ إِسْلاَمٍ، وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ عَنْهَا قَبْل ذَلِكَ وَاجِبَةً؛ لِكَوْنِهَا مَسَاكِنَ أَهْل الشِّرْكِ، فَمَنْ حَصَل عَلَيْهَا فَازَ بِهَا وَانْفَرَدَ بِفَضْلِهَا دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ. وَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ الَّذِي سَقَطَ. أَمَّا الْهِجْرَةُ الْبَاقِيَةُ الدَّائِمَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهِيَ هِجْرَةُ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْكُفْرِ؛ إِذْ يَلْزَمُهُ أَنْ لاَ يُقِيمَ بِهَا حَيْثُ تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ، وَأَنْ يُهَاجِرَ وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمْ (٢) ، إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الْهِجْرَةَ لاَ يَحْرُمُ عَلَى


(١) مَعَالِم السُّنَنِ لِلْخَطَّابِيِّ ٣ / ٣٥٢، ومرقاة الْمَفَاتِيح ٤ / ١٨٢، والمبسوط لِلسَّرَخْسِيِّ ١٠ / ٦
(٢) شَرْح السُّنَّة لِلْبَغَوِيِّ ٧ / ٢٩٥، ١٠ / ٣٧٣، ومرقاة الْمَفَاتِيح شَرْح مِشْكَاة الْمَصَابِيح لِلْمَلاَ عَلي الْقَارِّيّ ٤ / ١٨٢، والمقدمات الْمُمَهِّدَات ٢ / ١٥٣، وعارضة الأَْحْوَذِيّ ٧ / ٨٨، ونيل الأَْوْطَار ٧ / ٢٦، وشرح الأُْبِّيّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ ٥ / ٢١١، والنووي عَلَى مُسْلِمِ ١٣ / ٨، وعمدة الْقَارِّيّ ١١ / ٣١٧، وفتح الْبَارِي ٦ / ٣٩، ٧ / ٢٢٩، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ ٨ / ٤٥٦