للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٨ - وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْجُرْحِ السَّابِقِ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجُرْحِ إِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ، كَقَطْعِ الْيَدِ أَوِ الرِّجْل أَوِ الْمُوضِحَةِ مَثَلاً؛ لأَِنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ مُنْفَرِدٌ عَنِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، فَيَسْتَقِرُّ وَلاَ يَتَغَيَّرُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ، بِدَلِيل أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ طَرَفٌ غَيْرُهُ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ آخَرُ لَزِمَ الأَْوَّل قِصَاصُ الطَّرَفِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْرِ الْجُرْحُ (١) .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ عَلَى الْجَارِحِ؛ لأَِنَّ الْجِرَاحَةَ صَارَتْ نَفْسًا، وَالنَّفْسُ مُهْدَرَةٌ بِاتِّفَاقٍ، فَكَذَا الطَّرَفُ، وَلأَِنَّهُ صَارَ إِلَى مَا أَحَل دَمَهُ (٢) .

قَال الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ قَطَعَ مُكَلَّفٌ طَرَفًا، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ مِنْ جِرَاحَةٍ فَلاَ قَوَدَ عَلَى الْقَاطِعِ فِي النَّفْسِ؛ لأَِنَّهَا نَفْسُ مُرْتَدٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلاَ مَضْمُونٍ، بِدَلِيل مَا لَوْ قَطَعَ


(١) مُغْنِي الْمُحْتَاج ٤ / ٢٣، وأسنى الْمُطَالِب ٤ / ١٩، والتاج وَالإِْكْلِيل بِهَامِش الْحَطَّاب ٦ / ٢٤٤ - ٢٤٥
(٢) الْمَرَاجِع السَّابِقَة، وكشاف الْقِنَاع ٥ / ٥٢٢، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ ٧ / ٦٩٤ وَمَا بَعْدَهَا