للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَغْلَظُ مِنْهَا فِي حُقُوقِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ، فَيَلْزَمُهُمْ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْل وَالْفِعْل وَيَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيل فِي الْقَوْل وَالْفِعْل، وَلَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ فِي الْقَوْل وَالْفِعْل.

وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيل فِي الْقَوْل وَالْفِعْل لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (١) } ، فَإِنْ عَدَل الْكُفَّارُ الْمُهَادِنُونَ عَنِ الْجَمِيل فِي الْقَوْل وَالْفِعْل، فَكَانُوا يُكْرِمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا يَسْتَهِينُونَ بِهِمْ، وَكَانُوا يُضَيِّفُونَ الرُّسُل وَيَصِلُونَهُمْ فَصَارُوا يَقْطَعُونَهُمْ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ كِتَابَ الإِْمَامِ فَصَارُوا يَطْرَحُونَهُ، وَكَانُوا يَزِيدُونَهُ فِي الْخِطَابِ فَصَارُوا يَنْقُصُونَهُ، فَهَذِهِ رِيبَةٌ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ شَكَّيْنِ؛ لأَِنَّهَا تَحْتَمِل أَنْ يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَ الْهُدْنَةِ، وَتَحْتَمِل أَنْ لاَ يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَهَا، فَيَسْأَلُهُمُ الإِْمَامُ عَنْهَا وَعَنِ السَّبَبِ فِيهَا، فَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا يَجُوزُ مِثْلُهُ قَبِلَهُ مِنْهُمْ وَكَانُوا عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا عُذْرًا أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى عَادَتِهِمْ مِنَ الْمُجَامَلَةِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَإِنْ عَادُوا أَقَامَ عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعُودُوا نَقَضَهَا بَعْدَ إِعْلاَمِهِمْ بِنَقْضِهَا (٢) .


(١) سُورَة الصَّفِّ / ٩.
(٢) الْحَاوِي للمارودي ١٨ / ٤٤٤.