للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الإِْخْبَارَاتِ يُبْطِلُهَا الْهَزْل، سَوَاءٌ كَانَتْ إِخْبَارًا عَمَّا يَحْتَمِل الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، أَوْ لاَ يَحْتَمِلُهُ كَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ إِخْبَارًا شَرْعًا وَلُغَةً كَمَا إِذَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِأَنَّ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا، أَوْ بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا فِي هَذَا الشَّيْءِ بِكَذَا، أَوْ كَانَتْ إِخْبَارًا لُغَةً فَقَطْ، كَمَا إِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ كَذَا، وَذَلِكَ لأَِنَّ الإِْخْبَارَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ، أَيْ تَحَقَّقَ الْحُكْمُ الَّذِي صَارَ الْخَبَرُ عِبَارَةً عَنْهُ، وَإِعْلاَمًا بِثُبُوتِهِ أَوْ نَفْيِهِ، وَالْهَزْل يُنَافِي ذَلِكَ وَيَدُل عَلَى عَدَمِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَبْطُل الإِْقْرَارُ بِالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا، كَذَلِكَ يَبْطُل الإِْقْرَارُ بِهِمَا هَازِلاً؛ لأَِنَّ الْهَزْل دَلِيل الْكَذِبِ كَالإِْكْرَاهِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ بَعْدَ الْهَزْل بِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لأََنَّ الإِْجَازَةَ إِنَّمَا تَلْحَقُ شَيْئًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِل الصِّحَّةَ وَالْبُطْلاَنَ، وَبِالإِْجَازَةِ لاَ يَصِيرُ الْكَذِبُ صِدْقًا، وَهَذَا بِخِلاَفِ إِنْشَاءِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لاَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ، فَإِنَّهُ لاَ أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْل عَلَى مَا سَبَقَ (١) .

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قَال: أَقْرَرْتُ بِكَذَا وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَيْثُ قَالَهُ نَسَقًا


(١) شَرْح التَّلْوِيح عَلَى التَّوْضِيحِ ٢ / ١٩١، وفواتح الرَّحَمُوت ١ / ١٦٣، وحاشية ابْن عَابِدِينَ ٢ / ٤، وفتح الْقَدِير ٣ / ٣٤٥، وتكملة حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ ٢ / ٨١، والفتاوى الْخَيْرِيَّة ٢ / ٩٤.