للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدِّينِ زُهْدٌ وَلَيْسَ بِوَرَعٍ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الْحِرْصَ وَالرَّغْبَةَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الدَّارِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَال وَالسُّلْطَانِ مُضِرٌّ، كَمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَال وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ (١) . فَذَمَّ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْحِرْصَ عَلَى الْمَال وَالشَّرَفِ، وَهُوَ الرِّيَاسَةُ وَالسُّلْطَانُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الدِّينَ مِثْل أَوْ فَوْقَ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِزَرِيبَةِ الْغَنَمِ.

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحِرْصَ إِنَّمَا ذُمَّ لأَِنَّهُ يُفْسِدُ الدِّينَ الَّذِي هُوَ الإِْيمَانُ وَالْعَمَل الصَّالِحُ، فَكَانَ تَرْكُ هَذَا الْحِرْصِ لِصَالِحِ الْعَمَل. وَهَذَانِ هُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (٢) } ، وَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ حَيْثُ افْتَتَحَهَا بِأَمْرِ فِرْعَوْنَ، وَذَكَرَ عُلُوَّهُ فِي الأَْرْضِ، وَهُوَ الرِّيَاسَةُ وَالشَّرَفُ وَالسُّلْطَانُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِهَا قَارُونَ وَمَا أُوتِيَهُ مِنَ الأَْمْوَال، وَذَكَرَ عَاقِبَةَ سُلْطَانِ هَذَا وَعَاقِبَةَ مَال هَذَا، ثُمَّ قَال: {تِلْكَ الدَّارُ الآْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي


(١) حديث كعب بن مالك: " ما ذئبان جائعان. . . " أخرجه الترمذي (٤ / ٥٨٨ ـ ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.
(٢) سورة الحاقة / ٢٨ - ٢٩.