للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَوْنِ الْوَزِيرِ الَّذِي إِلَيْهِ تَنْفِيذُ الأُْمُورِ إِمَامًا فِي الدِّينِ، فَإِنَّ مَا يَتَعَاطَاهُ عَظِيمُ الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ، وَيَعْسُرُ عَلَيْهِ مُرَاجَعَةُ الإِْمَامِ فِي تَفَاصِيل الْوَقَائِعِ، وَإِنَّمَا يُطَالِعُ الإِْمَامَ فِي الأُْصُول وَالْمَجَامِعِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إِمَامًا فِي الدِّينِ لَمْ يُؤْمَنْ زَلَلُهُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَتَعَذَّرُ تَلاَفِيهَا كَالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَمَا فِي مَعَانِيهَا (١) .

وإِنَّ عَمَل وَزِيرِ التَّفْوِيضِ يَتَطَلَّبُ الْعِلْمَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الاِجْتِهَادِ فِي الأُْمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَالاِجْتِهَادُ يَتَوَقَّفُ عَلَى جَوْدَةِ الْفَهْمِ فِي مَعْرِفَةِ حَقَائِقِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنْ يَرُدَّ الْمَسَائِل الْمُتَنَازَعَ فِيهَا إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول (٢) } وَهَذَا يَتَطَلَّبُ أَيْضًا الذَّكَاءَ وَالْفِطْنَةَ، حَتَّى لاَ تَتَدَلَّسَ عَلَيْهِ الأُْمُورُ، مَعَ تَوَفُّرِ الْحُنْكَةِ وَالتَّجْرِبَةِ لِتَطْبِيقِ الرَّأْيِ الصَّحِيحِ، وَالتَّدْبِيرِ السَّدِيدِ فِي سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ (٣) .

وَلَكِنْ لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِل إِلَى رُتْبَةِ الاِجْتِهَادِ الْمُسْتَقِل، لأَِنَّهُ يُرَاجِعُ الإِْمَامَ فِي مَجَامِعِ الْخُطُوبِ، أَوْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُرَاجَعَةِ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَحَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ، فَلاَ ضَرُورَةَ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ


(١) غياث الأمم للجويني ص١١٣.
(٢) سورة النساء / ٥٩.
(٣) أحكام القرآن لابن العربي ٤ / ١٦٣٠، وغياث الأمم ص١١٠.