للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَال الْحَنَفِيَّةُ: قَبُول الْوِصَايَةِ أَوْ رَدُّهَا عِنْدَ الْمُوصِي صَحِيحٌ لأَِنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلاَيَةُ إِلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ وَلاَ غُرُورَ فِيهِ، لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوصِيَ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عِنْدَ الْمُوصِي بَل رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لاَ يَرْتَدُّ، لأَِنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَدُّ رَدُّهُ فَيَبْقَى وَصِيًّا عَلَى مَا كَانَ، كَالْوَكِيل إِذَا عَزَل نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّل، وَلَوْ لَمْ يَقْبَل وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِل وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، لأَِنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلاَيَةُ الإِْلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا (١) .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّ لِلْوَصِيِّ عَزْل نَفْسِهِ مِنَ الإِْيصَاءِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي لأَِنَّ عَقْدَ الْوِصَايَةِ غَيْرُ لاَزِمٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، فَلِلْمُوصِي عَزْل الْوَصِيِّ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَوْ قَبِل، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ رَدُّ الْوِصَايَةِ بَعْدَ الْقَبُول وَمَوْتِ الْمُوصِي بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا قَبِل الْوِصَايَةَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، أَوْ مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ قَبِل فَلَيْسَ لَهُ عَزْل نَفْسِهِ.

فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْوَصِيُّ بِالإِْيصَاءِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ عَدَمُ الْقَبُول ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولٌ (٢) .


(١) تَبْيِين الْحَقَائِقِ ٦ / ٢٠٦.
(٢) شَرْح الزُّرْقَانِيّ ٨ / ٢٠٢، وَالشَّرْح الْكَبِير بِحَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ ٤ / ٤٥٥.