للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَلَوْ كَانَ وَطْؤُهَا حَرَامًا لَبَيَّنَهُ لَهُمَا. وَلأَِنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرِ فِي الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالاِعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْوَطْءِ، وَلأَِنَّهُ دَمُ عِرْقٍ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْوَطْءَ كَالنَّاسُورِ، وَلأَِنَّ التَّحْرِيمَ بِالشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمٍ فِي حَقِّهَا، بَل وَرَدَ بِإِبَاحَةِ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ (١) .

الْقَوْل الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَابْنُ عُلَيَّةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: " الْمُسْتَحَاضَةُ لاَ يَغْشَاهَا زَوْجُهَا " (٢) . وَلأَِنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلاً بِالأَْذَى بِقَوْلِهِ: {قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ (٣) } .

فَأَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الأَْذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَلأَِنَّ الْحُكْمَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ عُلِّل بِهِ، وَالأَْذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً


(١) رد المحتار ١ / ١٩٨، وتبيين الحقائق ١ / ٦٨، والمجموع ٢ / ٣٧٢، والذخيرة ١ / ٣٩٠، وجواهر الإكليل ١ / ٣١، وبداية المجتهد ١ / ٦٣، وكشاف القناع ١ / ٢٥١، والمغني ١ / ٤٢١ - ط هجر.
(٢) أثر عائشة: " المستحاضة لا يغشاها زوجها ". أخرجه البيهقي في السنن (١ / ٣٢٩) .
(٣) سورة البقرة / ٢٢٢.