للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى جَوَازِ وَعْظِ السُّلْطَانِ بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ.

وَأَمَّا تَخْشِينُ الْقَوْل: فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى أَنَّ تَخْشِينَ الْقَوْل لَهُ كَقَوْلِهِ: يَا ظَالِمُ، يَا مَنْ لاَ يَخَافُ اللَّهَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَذَلِكَ إِنْ كَانَ يُحَرِّكُ فِتْنَةً يَتَعَدَّى شَرُّهَا إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ. أَمَّا إِنْ كَانَ هَذَا الشَّرُّ لاَ يَعُودُ إِلاَّ عَلَى الْوَاعِظِ فَهُوَ جَائِزٌ وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ (١) . وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ (٢) .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ وَعْظِ السُّلْطَانِ وَتَخْوِيفِهِ وَتَحْذِيرِهِ مِنَ الْعَاقِبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ.

قَال أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ (٣) : أَوْجَبُ مَا يَكُونُ هَذَا عَلَى مَنْ وَاكَلَهُمْ وَجَالَسَهُمْ وَكُل مَنْ أَمْكَنُهُ نُصْحُ السُّلْطَانِ


(١) الفتاوى الهندية ٥ / ٣٥٣، وإحياء علوم الدين ٢ / ٣٤٣ ط دار المعرفة، والآداب الشرعية ١ / ١٩٥ - ١٩٧، والكنز الأكبر ص٢٠٢ - ٢٠٣.
(٢) حديث: " إن من أعظم الجهاد كلمة عدل. . " أخرجه الترمذي (٤ / ٤٧١) من حديث أبي سعيد الخدري وقال: حديث حسن غريب.
(٣) حديث: " الدين النصيحة. . " أخرجه مسلم (١ / ٧٤) من حديث تميم الداري.