للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِخْفَاؤُهُ. (١)

ثُمَّ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الإِْتْلاَفَ يَكُونُ حَقِيقَةً، وَيَكُونُ مَعْنًى. فَالإِْتْلاَفُ حَقِيقَةً بِإِتْلاَفِ الْعَيْنِ، كَعَطَبِ الدَّابَّةِ بِتَحْمِيلِهَا مَا لاَ يَحْمِلُهُ مِثْلُهَا، أَوِ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا لاَ يُسْتَعْمَل مِثْلُهَا فِيهِ، وَالإِْتْلاَفُ مَعْنًى بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، أَوْ بِجُحُودِ الإِْعَارَةِ أَوْ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، أَوْ بِمُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ فِي اسْتِعْمَالِهَا، فَلَوْ حَبَسَ الْعَارِيَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَبِ قَبْل انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَضْمَنُ لأَِنَّهَا وَاجِبَةُ الرَّدِّ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ (٢) وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ. (٣) وَلأَِنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ انْتَهَى بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوِ الطَّلَبِ، فَصَارَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ كَالْمَغْصُوبِ. وَالْمَغْصُوبُ مَضْمُونُ الرَّدِّ حَال قِيَامِهِ، وَمَضْمُونُ الْقِيمَةِ حَال هَلاَكِهِ.

وَلَمْ يَنُصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمُرَادِ بِالْهَلاَكِ عِنْدَهُمْ، وَلَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِهِمُ السَّابِقِ فِي إِعَارَةِ الدَّوَابِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَلَفُ الْعَيْنِ. قَالُوا: وَإِنِ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ أَنَّ الْهَلاَكَ أَوِ الضَّيَاعَ لَيْسَ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ فِي الْحِفْظِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، إِلاَّ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَوْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لاَ يُغَابُ. (٤)


(١) العناية شرح الهداية ٧ / ٤٦٩، وتبيين الحقائق للزيلعي ٥ / ٨٥، والشرح الكبير ٣ / ٤٣٦، وبداية المجتهد ٢ / ٣٤٢، وأسنى المطالب ٢ / ٣٢٨، والمغني ٥ / ٢٢١.
(٢) حديث " العارية مؤداة " سبق تخريجه (فقرة ٥) .
(٣) حديث " على اليد ما أخذت. . " سبق تخريجه بهذا المعنى آنفا.
(٤) البدائع ٨ / ٣٩٠٦ - ٣٩٠٧ ط الإمام، والشرح الصغير ٣ / ٥٧٤.