للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَرْتَبَةِ هَذِهِ السُّنِّيَّةِ.

فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.

وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ مَنْدُوبٌ مُؤَكَّدٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ.

وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي رَمَضَانَ وَمَنْدُوبٌ فِي غَيْرِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ، وَفِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ آكَدُ اقْتِدَاءً بِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي كُل وَقْتٍ، وَآكَدُهُ فِي رَمَضَانَ، وَآكَدُهُ فِي الْعَشْرِ الأَْخِيرِ مِنْهُ.

قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الاِعْتِكَافَ سُنَّةٌ، لاَ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فَرْضًا، إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ الاِعْتِكَافَ نَذْرًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ.

وَمِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فِعْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَطَلَبًا لِثَوَابِهِ، وَاعْتِكَافُ أَزْوَاجِهِ مَعَهُ وَبَعْدَهُ.

أَمَّا أَنَّ الاِعْتِكَافَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلأَِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَلْتَزِمُوا الاِعْتِكَافَ كُلُّهُمْ، وَإِنْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ أَصْحَابَهُ بِالاِعْتِكَافِ إِلاَّ مَنْ أَرَادَهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ (١) - أَيْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ - وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا عَلَّقَهُ بِالإِْرَادَةِ.

وَيَلْزَمُ الاِعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(١) حديث: " من كان اعتكف معي. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ٢٧١ ط السلفية) .