للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَشِيئَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَكَأَنَّهُ أَدْخَل مَا يُوجِبُ الشَّكَّ، وَهُوَ مُفَادُ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ قَرَنَ إِقْرَارَهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا أَحْسَبُ أَوْ أَظُنُّ، إِذْ قَالُوا: إِنَّهُ لَغْوٌ، لِعَدَمِ إِشْعَارِهِمَا بِالإِْلْزَامِ. (١) بَل وُجِدَ لَهُمْ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأَِنَّهُ عَلَّقَ مَشِيئَةَ إِقْرَارِهِ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يَصِحَّ، وَلأَِنَّ مَا عُلِّقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ لاَ سَبِيل إِلَى مَعْرِفَتِهِ. قَال الشِّيرَازِيُّ: إِنْ قَال: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لأَِنَّ مَا عُلِّقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ سَبِيل إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِنْ قَال: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ أَوْ قَدِمَ فُلاَنٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. (٢)

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ - عَدَا ابْنَ الْمَوَّازِ وَابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ - وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الإِْقْرَارَ يَلْزَمُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَال سَحْنُونٌ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ. (٣) غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَبَيْنَ التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ الأَْشْخَاصِ.

يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: لأَِنَّهُ أَقَرَّ ثُمَّ عَلَّقَ رَفْعَ الإِْقْرَارِ عَلَى أَمْرٍ لاَ يُعْلَمُ فَلَمْ يَرْتَفِعْ. وَإِنْ قَال: لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ شِئْتَ، أَوْ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ الإِْقْرَارُ، وَلأَِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ عِلْمُهُ فَلَمْ يَصِحَّ.

وَيُفَارِقُ التَّعْلِيقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لأَِنَّهَا كَثِيرًا مَا تُذْكَرُ تَبَرُّكًا وَصِلَةً وَتَفْوِيضًا إِلَى اللَّهِ، لاَ لِلاِشْتِرَاطِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ


(١) البدائع ٧ / ٢٠٩، والهداية وتكملة الفتح ٦ / ٣١٤، والتاج والإكليل ٥ / ٢٢٤، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٤٠٢، ونهاية المحتاج ٥ / ١٦
(٢) روضة الطالبين ٤ / ٣٩٧، ط المكتب الإسلامي، والمغني ٥ / ٤١٧، والمهذب ٢ / ٣٤٧، ونهاية المحتاج ٥ / ١٠١.
(٣) التاج والإكليل ٥ / ٢٢٤، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي ٣ / ٤٠٢.