للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِحِرْصِهِ وَشَرَهِهِ وَدَنَاءَةِ نَفْسِهِ، وَيُحْرَمُهُ مِنْ يُحِبُّ صَاحِبُهُ لِمُرُوءَتِهِ وَصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَعِرْضِهِ. وَالْغَالِبُ هَذَا، فَإِنَّ أَهْل الْمُرُوءَاتِ يَصُونُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ مُزَاحَمَةِ سَفَلَةِ النَّاسِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلأَِنَّ فِي هَذَا دَنَاءَةً، وَاَللَّهُ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُْمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ قَال: قُرِّبَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ، بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ، فَنَحَرَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَال كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَسَأَلْتُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ، فَقَال: قَال: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ (١) وَهَذَا جَارٍ مَجْرَى النِّثَارِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَْنْصَارِ ثُمَّ أَتَوْا بِنَهْبٍ فَأَنْهَبَ عَلَيْهِ. قَال الرَّاوِي: وَنَظَرْتُ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُزَاحِمُ النَّاسَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَوَمَا نَهَيْتَنَا عَنِ النُّهْبَةِ؟ قَال: " نَهَيْتُكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْعَسَاكِرِ " (٢) وَلأَِنَّهُ نَوْعُ إِبَاحَةٍ فَأَشْبَهَ إِبَاحَةَ الطَّعَامِ لِلضِّيفَانِ (٣) .


(١) حديث: " من شاء اقتطع. . . " أخرجه أبو داود وقال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: إسناده قوي. (سنن أبي داود ٢ / ٣٧٠ ط عزت عبيد دعاس، وجامع الأصول ٣ / ٣٥٥)
(٢) حديث: " نهيتكم عن نهبة العساكر. . . " أورده ابن الأثير في النهاية بلفظ. " أنه نثر شيء في إملاك فلم يأخذوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما لكم لا تنتهبون؟ قالوا: أو ليس قد نهيت عن النهبى؟ فقال: إنما نهيت عن نهبى العساكر، فانتبهوا ". ولم نعثر عليه ف
(٣) مواهب الجليل ٤ / ٦ والمغني مع الشرح الكبير ٨ / ١١٨.