للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى مُرُورِ الزَّمَنِ، كَعَقْدِ الإِْجَارَةِ، وَفِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الإِْجَارَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:

فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) عَلَى أَنَّ عَقْدَ الإِْجَارَةِ لاَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، بَل تَبْقَى إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ لاَزِمٌ، فَلاَ يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، كَعَقْدِ الْبَيْعِ. وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجَرَ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ مَعَ خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ. (١)

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الإِْجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ إِنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَتَنْعَقِدُ الإِْجَارَةُ بِحُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَلاَ تَبْقَى بِدُونِ الْعَاقِدِ. وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ كَالْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَقَيِّمِ الْوَقْفِ؛ وَلأَِنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَجِّرَ فَالْعَقْدُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ لاَسْتُوفِيَتِ الْمَنَافِعُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَهَذَا خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ فَالْعَقْدُ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الأُْجْرَةِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ لاَسْتَحَقَّتِ الأُْجْرَةَ مِنْ مَال غَيْرِهِ، وَهَذَا خِلاَفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. بِخِلاَفِ مَا إِذَا مَاتَ مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ الْعَقْدُ كَالْوَكِيل وَنَحْوِهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْمَنَافِعِ وَلاَ اسْتِحْقَاقَ الأُْجْرَةِ مِنْ مِلْكِهِ، فَإِبْقَاءُ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ لاَ يُوجِبُ تَغْيِيرَ مُوجِبِ الْعَقْدِ. (٢)


(١) الإقناع لحل ألفاظ أبي شجاع ٢ / ٧٢، وبلغة السالك ٤ / ٥٠، والمغني ٥ / ٤٦٧ - ٤٦٨.
(٢) الاختيار ٢ / ٦١، والبدائع ٤ / ٢٢٢.