للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: يُنْقَضُ عَهْدُ الذِّمَّةِ بِالتَّمَرُّدِ عَلَى الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، بِإِظْهَارِ عَدَمِ الْمُبَالاَةِ بِهَا، وَبِإِكْرَاهِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَى بِهَا إِذَا زَنَى بِهَا بِالْفِعْل، وَبِغُرُورِهَا وَتَزَوُّجِهَا وَوَطْئِهَا، وَبِتَطَلُّعِهِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِسَبِّ نَبِيٍّ مُجْمَعٍ عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا بِمَا لَمْ يُقَرَّ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ (١) . فَإِنْ سَبَّ بِمَا أُقِرَّ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ، كَمَا إِذَا قَال: عِيسَى إِلَهٌ مَثَلاً، فَإِنَّهُ لاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ، أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ، أَوْ دَل أَهْل الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ طَعَنَ فِي الإِْسْلاَمِ أَوِ الْقُرْآنِ، أَوْ ذَكَرَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوءٍ، فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ إِنْ شَرَطَ انْتِقَاضَ الْعَهْدِ بِهَا انْتَقَضَ، وَإِلاَّ فَلاَ يُنْتَقَضُ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ فِي الأَْوَّل دُونَ الثَّانِي (&# x٦٦٢ ;) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ فَعَلُوا مَا ذُكِرَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ نُقِضَ الْعَهْدُ مُطْلَقًا، وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِمْ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (٣) .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُنْقَضُ عَهْدُهُ إِذَا لَمْ يُعْلِنِ السَّبَّ؛ لأَِنَّ هَذَا زِيَادَةُ كُفْرٍ، وَالْعَقْدُ يَبْقَى مَعَ أَصْل الْكُفْرِ، فَكَذَا مَعَ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا أَعْلَنَ قُتِل، وَلَوِ امْرَأَةً، وَلَوْ قَتَل مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لاَ يُنْقَضُ عَهْدُهُ، بَل تُطَبَّقُ عَلَيْهِ


(١) جواهر الإكليل ١ / ٢٦٩.
(٢) مغني المحتاج ٤ / ٢٥٨، ٢٥٩.
(٣) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ١٤٣ - ١٤٥، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٢٥، وكشاف القناع ٣ / ١٤٣.