للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ السَّيْرِ فِي الظَّلاَمِ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَْجْرِ (١) .

وَلأَِنَّ فِي الإِْسْفَارِ تَكْثِيرًا لِلْجَمَاعَةِ، وَفِي التَّغْلِيسِ أَيِ السَّيْرِ فِي الظُّلْمَةِ تَقْلِيلُهَا، فَكَانَ أَفْضَل، هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَال، أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ أَوَّل الْوَقْتِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الشَّابَّاتُ وَالْعَجَائِزُ، لاَ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.

وَكَذَلِكَ الْحَاجُّ فِي مُزْدَلِفَةَ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ، يُصَلِّي الْفَجْرَ بِغَلَسٍ فِي أَوَّل الْوَقْتِ؛ لِيَتَفَرَّغَ لِوَاجِبِ الْوُقُوفِ الَّذِي يَبْدَأُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الْوُقُوفَ وَاجِبٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ. (٢)

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (٣) إِلَى أَنَّ التَّغْلِيسَ - أَيِ السَّيْرَ فِي الظَّلاَمِ - أَفْضَل؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ (٤)


(١) حديث: " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر. . . " أخرجه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح قال الحافظ ابن حجر في الفتح: رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد (سنن أبي داود ١ / ٢٩٤ ط استانبول، وتحفة الأحوذي ١ / ٤٧٧ - ٤٧٩ نشر المكتبة السلفية، وفتح الباري ٢ / ٥٥ ط السلفية) .
(٢) حاشية الطحطاوي على المراقي ص ٩٨، وابن عابدين ٢ / ١٧٨ ط الأولى، وبدائع الصنائع ١ / ١٢٥.
(٣) بلغة السالك ١ / ٧٣، والإقناع ١ / ٣٧٨ - ٣٧٩، والمغني ١ / ٤٠٥.
(٤) حديث عائشة رضي الله عنهما: " كن نساء المؤمنات " أخرجه البخاري (فتح الباري ٢ / ٥٤ ط السلفية) .