للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بَل تَبْقَى أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ، وَذَلِكَ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَل اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (١) ، فَإِنَّهُ مَنَعَ الأَْوْلِيَاءَ وَالأَْوْصِيَاءَ مِنْ دَفْعِ الْمَال إِلَى السُّفَهَاءِ، وَأَنَاطَ دَفْعَ الْمَال إِلَيْهِمْ بِحُصُول أَمْرَيْنِ: الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ. فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِمْ بِالْبُلُوغِ، مَعَ عَدَمِ الرُّشْدِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا النَّصِّ وَلاَ فِي غَيْرِهِ تَحْدِيدٌ لِلرُّشْدِ بِسِنٍّ مُعَيَّنَةٍ، بَل هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى ظُهُورِهِ بِالْفِعْل، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الاِخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَحَقُّقِ الرُّشْدِ كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَإِلاَّ بَقِيَتِ الْوِلاَيَةُ عَلَيْهِ، وَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ، كَمَا كَانَتْ قَبْل الْبُلُوغِ مَهْمَا طَال الزَّمَنُ.

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ غَيْرَ رَشِيدٍ - وَكَانَ عَاقِلاً - كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ أَوِ الْوِصَايَةُ عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، بَل تَبْقَى فِي يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ بِالْفِعْل، أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَلَوْ كَانَ مُبَذِّرًا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ؛ لأَِنَّ مَنْعَ الْمَال عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيل الاِحْتِيَاطِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيل الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَالإِْنْسَانُ بَعْدَ بُلُوغِ هَذِهِ السِّنِّ، وَصَلاَحِيَّتِهِ لأََنْ يَكُونَ جَدًّا، لاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلتَّأْدِيبِ (٢) .


(١) سورة النساء / ٥، ٦
(٢) البدائع ٧ / ١٧٠، والدر وحاشية ابن عابدين ٦ / ١٤٩، ١٥٠، والشرح الصغير ٢ / ١٣٨، والمغني ٥ / ٦٠١، والروض المربع ٢ / ٢٠٢.