للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ لَمْ يَفِئْ أَوْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَبِهَذَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ بَائِنَةً بَيْنُونَةً كُبْرَى، وَيَبْقَى الإِْيلاَءُ فِي حَقِّ الْحِنْثِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الطَّلاَقِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَيَنْحَل الإِْيلاَءُ فِي حَقِّ الطَّلاَقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَمَالِكٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَلَوْ أَبَانَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الَّتِي آلَى مِنْهَا إِيلاَءً مُطْلَقًا أَوْ مُؤَبَّدًا بِمَا دُونَ الثَّلاَثِ، وَتَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ، وَدَخَل بِهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الأَْوَّل عَادَ حُكْمُ الإِْيلاَءِ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ بَيْنَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْفُقَهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.

إِنَّمَا الاِخْتِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِيمَا تَعُودُ بِهِ إِلَى الزَّوْجِ الأَْوَّل: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ تَعُودُ بِثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ تَعُودُ إِلَيْهِ بِمَا بَقِيَ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (١) .

وَهَذَا الْخِلاَفُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّوَاجَ الثَّانِيَ هَل يَهْدِمُ الطَّلْقَةَ وَالطَّلْقَتَيْنِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلاَثَ، أَوْ لاَ يَهْدِمُ إِلاَّ الثَّلاَثَ؟

فَعِنْدَ الأَْوَّلِينَ يَهْدِمُ الطَّلْقَةَ وَالطَّلْقَتَيْنِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلاَثَ، وَعِنْدَ الآْخِرِينَ لاَ يَهْدِمُ إِلاَّ الثَّلاَثَ.

وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الأَْوَّل: أَنَّ الزَّوَاجَ الثَّانِيَ إِذَا هَدَمَ الطَّلاَقَ الثَّلاَثَ، وَأَنْشَأَ حِلًّا كَامِلاً، فَأَوْلَى أَنْ يَهْدِمَ مَا دُونَ الثَّلاَثِ، وَيُكْمِل الْحِل النَّاقِصَ.

وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي: أَنَّ الْحِل الأَْوَّل لاَ يَزُول إِلاَّ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ، فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَحَل لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا،


(١) فتح القدير ٢ / ١٧٩، والبدائع ٣ / ١٢٧، ١٧٨، وبداية المجتهد لابن رشد ٢ / ٧٢، والخرشي ٣ / ١٨١، ومغني المحتاج ٣ / ٢٩٣، والمغني لابن قدامة ٧ / ٢٦١.