للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذِهِ شَرِيطَةٌ لاِنْعِقَادِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ عَلَى مَاضٍ وَحَاضِرٍ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لاَ أَمُوتُ، وَمُسْتَقْبَلٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لأََصْعَدَنَّ السَّمَاءَ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِانْعِقَادِ الْغَمُوسِ عَلَى حَاضِرٍ وَمُسْتَقْبَلٍ.

وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَشْتَرِطُونَ الاِسْتِقْبَال فِي كُل مَا فِيهِ كَفَّارَةٌ، كَالْحَلِفِ بِتَعْلِيقِ الْكُفْرِ أَوِ الْقُرْبَةِ أَوِ الظِّهَارِ بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ. (١)

٥٩ - (الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً عِنْدَ الْحَلِفِ - أَيْ لَيْسَ مُسْتَحِيلاً عَقْلاً - وَهَذِهِ شَرِيطَةٌ لاِنْعِقَادِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ.

وَوَجْهُ اشْتِرَاطِهَا: أَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَنْعَقِدُ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ، فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ أَوْ وَعَدَ بِوَعْدٍ يُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ لِتَحْقِيقِ الصِّدْقِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْبِرَّ، ثُمَّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا خَلَفًا عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرِ الأَْصْل - وَهُوَ الْبِرُّ - لَمْ يُوجَدِ الْخَلَفُ - وَهُوَ الْكَفَّارَةُ - فَلاَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ.

وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ لأَِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنِ اسْتِحَالَةِ الأَْصْل عَقْلاً عَدَمُ الْخَلَفِ. وَمَفْهُومُ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ: أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ يَسْتَحِيل وُجُودُهُ عَقْلاً عِنْدَ الْحَلِفِ، لَمْ تَنْعَقِدِ الْيَمِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ.

لَكِنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ لَيْسَ عَلَى إِطْلاَقِهِ، بَل فِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْلَمُ مِنَ الْكَلاَمِ عَلَى الْمِثَال الآْتِي:


(١) البدائع ٣ / ١١، والشرح الصغير بحاشية الصاوي ١ / ٣٣١، ونهاية المحتاج ٨ / ١٦٤، ومطالب أولي النهى ٦ / ٣٦٨.