للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَْوْطَارِ: إِنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَدْ دَل عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي يَمِينِ اللَّغْوِ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الإِْثْمَ وَالْكَفَّارَةَ، فَلاَ يَجِبَانِ، وَالْمُتَوَجَّهُ الرُّجُوعُ فِي مَعْرِفَةِ مَعْنَى اللَّغْوِ إِلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَهْل عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَفُ النَّاسِ بِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ قَدْ كَانُوا مِنْ أَهْل الشَّرْعِ وَمِنَ الْمُشَاهِدِينَ لِلرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاضِرِينَ فِي أَيَّامِ النُّزُول، فَإِذَا صَحَّ عَنْ أَحَدِهِمْ تَفْسِيرٌ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُرَجَّحُ عَلَيْهِ أَوْ يُسَاوِيهِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَا نَقَلَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَهُ إِلَيْهِ شَرْعِيًّا لاَ لُغَوِيًّا، وَالشَّرْعِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأُْصُول، فَكَانَ الْحَقُّ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، هُوَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. (١)

فَثَبَتَ أَنَّ الْيَمِينَ اللَّغْوَ هِيَ الَّتِي لاَ يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ.

وَأَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَابَل الْيَمِينَ اللَّغْوَ بِالْيَمِينِ الْمَكْسُوبَةِ بِالْقَلْبِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} . (٢)

وَالْمَكْسُوبَةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، فَكَانَتْ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ دَاخِلَةً فِي قِسْمِ اللَّغْوِ بِلاَ فَصْلٍ بَيْنَ مَاضِيهِ وَحَالِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ.

وَوَجْهُ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَابَل اللَّغْوَ بِالْمَعْقُودَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْمُؤَاخَذَةِ وَنَفْيِهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ اللَّغْوُ غَيْرَ الْمَعْقُودَةِ تَحْقِيقًا


(١) نيل الأوطار ٨ / ٢٣٦.
(٢) سورة البقرة / ٢٢٥.