للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا مَنْ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِقَصْدِ الْيَمِينِ فَالأَْصْل فِيهِ أَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ، سَوَاءٌ أَعَلَّقَهُ عَلَى مَاضٍ أَمْ حَاضِرٍ أَمْ مُسْتَقْبَلٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ كَاذِبًا أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا يَقْصِدُ الْمَنْعَ مِنَ الشَّرْطِ أَوِ الْحَثَّ عَلَى نَقِيضِهِ أَوِ الإِْخْبَارَ بِنَقِيضِهِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا - تَرْوِيجًا لِكَذِبِهِ.

فَمَنْ قَال: إِنْ كَلَّمْتُ فُلاَنَةَ، أَوْ إِنْ لَمْ أُكَلِّمْهَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الإِْسْلاَمِ، فَمَقْصُودُهُ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنَ التَّكْلِيمِ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى أَوْ حَثُّ نَفْسِهِ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ حَذَرًا مِنَ الْكُفْرِ، فَلاَ يَكُونُ رَاضِيًا بِالْكُفْرِ، وَمَنْ قَال: إِنْ لَمْ أَكُنِ اشْتَرَيْتُ هَذَا بِدِينَارٍ فَهُوَ يَهُودِيٌّ، وَأَرَادَ بِهَذَا حَمْل الْمُخَاطَبِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا ادَّعَاهُ وَكَانَ كَاذِبًا عَمْدًا لاَ يَكُونُ رَاضِيًا بِالْكُفْرِ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ تَرْوِيجَ كَذِبِهِ بِتَعْلِيقِ الْكُفْرِ عَلَى نَقِيضِهِ.

هَذَا هُوَ الأَْصْل، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ جَاهِلاً، فَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِيغَةِ الْكُفْرِ كُفْرٌ، أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ إِحْجَامِهِ عَمَّا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ.

فَفِي الصُّورَةِ الأُْولَى يُعْتَبَرُ كَافِرًا بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ لأَِنَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا، فَكَانَ رَاضِيًا بِالْكُفْرِ حَالاً.

وَفِي الصُّورَتَيْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَكْفُرُ بِالإِْقْدَامِ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَالإِْحْجَامِ عَمَّا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ؛ لأَِنَّهُ عَمِل عَمَلاً يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا، فَكَانَ رَاضِيًا بِالْكُفْرِ، وَلاَ يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إِلاَّ إِذَا كَانَ حِينَ النُّطْقِ عَازِمًا عَلَى الْحِنْثِ؛ لأَِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْكُفْرِ كُفْرٌ. (١)

١٤٢ - وَصَفْوَةُ الْقَوْل أَنَّ الْحَلِفَ بِالْكُفْرِ لاَ يُعَدُّ


(١) ابن عابدين ٣ / ٥٥.