للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعْدِنِ الأَْرْضِ وَمَوْقِعِهَا وَقُرْبِهَا مِنَ الْمَاءِ، وَلاَ يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالرُّؤْيَةِ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ. (١)

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ الرُّؤْيَةَ، فَأَجَازُوا إِجَارَةَ الأَْرْضِ بِقَوْلِهِ: أَكَرِيكَ فَدَّانَيْنِ مِنْ أَرْضِي الَّتِي بِحَوْضِ كَذَا، أَوْ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضِي الْفُلاَنِيَّةِ، إِذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا ذَلِكَ الْقَدْرُ، كَأَنْ يَقُول: مِنَ الْجِهَةِ الْبَحْرِيَّةِ، أَوْ لَمْ يُعَيِّنِ الْجِهَةَ، لَكِنْ تَسَاوَتِ الأَْرْضُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ. فَإِنْ لَمْ تُعَيَّنِ الْجِهَةُ، وَاخْتَلَفَتِ الأَْرْضُ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِالتَّعْيِينِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ يُؤَجِّرُ لَهُ قَدْرًا شَائِعًا مِنْهَا كَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُونَ تَعْيِينِ الْجِهَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْجُزْءُ. (٢)

وَاشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ لِجَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ مَأْمُونٌ دَائِمٌ لِلزِّرَاعَةِ، يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ؛ لأَِنَّ الإِْجَارَةَ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ عَلَى عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا، فَتَصِحُّ إِجَارَةُ الأَْرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ، مَا دَامَتْ تُسْقَى مِنْ نَهْرٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ وَقْتَ طَلَبِ السَّقْيِ، أَوْ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِرْكَةٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ أَمْطَارٍ تَقُومُ بِكِفَايَتِهَا، أَوْ بِهَا نَبَاتٌ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ مَاءٍ قَرِيبٍ تَحْتَ سَطْحِ الأَْرْضِ. وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ كُلٌّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا اشْتَرَطَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مَقْدُورَةً حَقِيقَةً وَشَرْعًا. (٣)

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا كِرَاءَ أَرْضِ الْمَطَرِ لِلزِّرَاعَةِ، وَلَوْ لِسِنِينَ طَوِيلَةٍ، إِنْ لَمْ يُشْتَرَطِ النَّقْدُ،


(١) المغني ٦ / ٨٨
(٢) حاشية الدسوقي ٤ / ٤٦
(٣) نهاية المحتاج ٣ / ٣٦٩، والمهذب ١ / ٣٩٥، والقليوبي ٣ / ٧٠، وكشاف القناع ٤ / ١١، والبديع ٤ / ١٨٧